رمضان في عمان – بين الأمس واليوم!!
تختلف العادات في شهر رمضان في عمان في السابق. فقد كانت الحياة بسيطة جدا والناس يعيشون في جو من القناعة وشظف العيش بعيدين
عن الرفاهية والمظاهر المدنية المفرطة في المأكل والمشرب والملبس وغيرها من لوازم الحياة اليومية. وكانت الحياة المعيشية في عمان تختلف
عن بعضها, ولكن طريقة التعاطف والمودة والأخاء بين الناس لا شائبة فيه.
وكنا نعيش زمان تلك الحقبة في جو يسوده الوئام والمحبة والتآلف. ففي شهر رمضان لاتكثر الموائد والأكلات التي تصل الآن الى حد البذخ والأسراف.
فعندما يهل شهر رمضان لا أذكر ان الأكلات التي نتناولها في البيت بها شيء من الزيادة عن باقي أشهر السنة الا بعض القليل. لكن قبل ان يهل شهر
رمضان يبدأ الناس في تحضير ما يجب احضاره الى المنزل.
أما أشهر الوجبات التي تكون في رمضان فهي الشوربة باللحم هي سيدة الوجبة. وكانت الشوربة تصنع من حب البر العماني واللحم العماني, وتطبخ على
نا ر الحطب وكانت النساء تقوم بطبخها من بعد الظهر. ولا وجود لهذه الأكلات التي زخرت بها الأسواق الآن.
والهريس ايضا والسمنة بالحلباء أو الحبة الحمراء مثل ما يسمونها.
ويتفنن الناس في صنع القهوة العمانية في شهر رمضان خاصة, وعادة ما يقوم صاحب البيت بصنع القهوة في بيته صنعا متقنا, كما يضاف اليها انواعا من الرياحين كالهيل والزعفران وماء الورد.
كما ان تناول قهوة الأفطار في شهر رمضان في المساجد عادة معروفة عند العمانيين.
وكم كنت أتذكر لما نتناول قهوة الأفطار في المسجد وسط جو من التآلف والتآخي. يجمعنا الحب والأخاء والدين.
والعادات الشائعة والمعروفة في عمان حول الأفطار في المساجد, هو ان لكل مسجد بيت مال معلوم ويطلقون عليه ( وقف) لذلك المسجد يتعهده
وكيل المسجد. فالوكيل يتعهد بأمور الفطرة وتحضيرها الى المسجد للذين يتناولون الأفطار بالمسجد, وقصدهم من ذلك للغريب أوالعابر سبيل.
وتبدأ الفطرة بعد ارتفاع أذان المغرب بتناول التمر مع القهوة, بعدها يقومون لتأدية صلاة المغرب, وبعد الصلاة يعودون الى بيوتهم ليتناولوا وجبة
العشاء أو ما شابهه كالشربة أو الدنجو أو أي شي آخر.
ومنهم من يتناول وجبة العشاء بعد صلاة التراويح وهذا نادرا.
ووجبة العشاء عادة ما تكون محضرة من الخبز العماني والأدام المعد من اللحم أو السمك المشوي والذي يحضر الى السوق يوميا. وبعد صلاة التراويح
تكون القهوة في انتظار الجميع. وبعد ما يشربون القهوة مع التمر أو اذا كان في وقت القيظ طبعا الرطب, يذهبون الى مجالسهم الخاصة أو لزيارة الأهل والأقارب.
ورمضان في عمان رائع جدا, بحيث ان الناس يبداؤن أعمالهم منذ الصباح, كل أحد يتجه الى عمله. بينما النساء تقوم بأعمالهن المنزلية أو يذهبن لمشاركة أزواجهن في الحقول وغيرها.
وبعد صلاة الظهر كان الناس يذهبون الى السوق يوميا ليشترون حاجاتهم المنزلية, كاللحم العماني والذي يسلخ ويباع يوميا في السوق ذاته. والسمك المشوي والذي يجلب الى الأسواق ايضا يوميا. وكل ما تحتاجه الأسرة, وكل الأشياء تقريبا منتوج بلدي, ما عدا الأرز ولأبزرة والقهوة والملابس الخ.
وما أروع وقت العصر في رمضان, فترى الناس يفرحون بدنو وقت الأفطار, وترى النساء في عمل مستمر ودائب وبروح من الشفافية والهدوء وتجهيز
الوجبات الرمضانية البسيطة سابقا, فما من أحد يبخل على أفطاره بشيء ما, بل يجود كل فرد بما لديه لتحضير افطاره تحضيرا لائقا.
ولم تكن فرحة الأطفال في رمضان قليلة عند سماع أذان المغرب, فتراهم يذهبون الى الوادي بقرب البيوت, أو بجنب المسجد الجامع, يحملون معهم العابهم ومعهم قليل من الطعام, فهم يلعبون ويمرحون بمختلف العابهم الطفولية البريئة, وقبيل ان يحين موعد ارتفاع اذان المغرب بقليل تراهم ينصتون بكل لهفة وشوق.
وما ان يرتفع الأذان حتى ترتفع اصواتهم الصغيرة مبشرة بأذان المغرب حيث لم تكن مكبرات الصوت في المساجد معروفة في ذلك العهد ابدا.
فتسمعهم يرددون: (وذون وذون. والسح ولبون – أي لبن – بو صايم يفطر يفطر. بو ما صايم يجلس يحتر – أي ينظر)
وبالتالي فهم بذلك يسمعون اهلهم وذويهم بأن الأذان قد ارتفع, فيفطر الأهل, عندها يقبلون على ما عندهم من الطعام القليل يلتهمونه ثم يبقون في الوادي أو في أي مكان كانوا ريثما ينتهي اهلهم من تناولهم مأدبة الأفطار وهذا يعني انهم يتجنبون ازعاج اهلهم عند تناولهم الأفطار بحيث انهم قضوا يوما طويلا قاسيا من الجوع والعطش, واذا كان الجوع محتملا بعض الشيء فالمشقة الكبرى هي العطش خاصة في أيام الصيف بحيث لا وجود للثلاجات والمكيفات والكهرباء.
وتبادل لذائذ الأفطار في عمان بين الجيران عادة معروفة وجميلة, فهي توثق عرى المودة والأخاء وحسن الجوار بين الجيران. فترى الجيران يتبادلون وجبات افطارهم فيما بينهم منذ العصر أي قبيل المغرب. يرسلون الى بعضهم البعض بما أعدوه لوجبة افطارهم كالشوربة والدنجو وغيرها, وهذه من العادات الجميلة معنا في عمان.
ويصل الكرم العربي العماني في رمضان ذروته, بحيث ان المجالس تكون مفتوحة خاصة للزائرين اذا كانوا من عابري سبيل أو غيرهم. فالناس تجتمع في هذا الشهر الكريم أخوة سواسية في دين الله وتزول الضغائن والأحقاد من القلوب وما أسعد الناس عندما يجعلون الوداد والأخاء فرضا بينهم.
كما انني اتذكر ان بعضهم يدعو البعض ليشاركه وجبة افطاره بالمنزل ولا اعتقد ان احدا يستنكف ان يقبل الدعوة الى تناول وجبة الأفطار في رمضان ممن هو أقل منه مقاما أو ثراء, بل ان هذا الشهر الكريم بعظمته وجلاله يجعل الناس سواسية كأسنان المشط.
وكانت النساء في السابق تذهبن لتسقين الماء للمساجد في الجرارت المصنوعة من الطين والآجر ويطلقون عليها (الجحال) والواحدة (جحلة) وتقوم بهذه المهمة بعض من نساء الحارة القريبات من المسجد عن طيب خاطر تقربا منهن الى الله تعالى واكراما لهذا الشهر المبارك.
أما السحور فعادة ما يكون من الرز واللبن أو الرز وادام اللحم البلدي طبعا, لأنه في ذلك الزمن لم يكن معروفا معنا اللحوم المثلجة والدجاج المثلج.
ولا وجود للمسحراتي معنا في المدن والقرى الداخلية أو مدفع الأفطار.
وفي شهر رمضان تختلف العادات عند البدو قليلا من ناحية تعدد الوجبات والتجمع الأسري ايضا, فالبدو سابقا يعيشون حياة بسيطة سواء في شهر رمضان
أو غيره من الشهور, ولكن بحكم اقامتهم المنفردة وسكنهم المتعزل, لا يتسنى لهم ان يجتمعوا مثلا في المسجد لتناول وجبة الأفطار, وانما اذا كانت ثمة منازل متجاورة ومتقاربة من بعضها البعض فيجتمعون لتناول وجبة الأفطار معا, يأتي كل فرد بما عنده من طعام وشراب فيتناولون وجبة الأفطار ثم يقومون لتأدية صلاة المغرب.