في السودان
زفة العيد وقد امتاز السودانيون في احتفالاتهم بالعيد بفعالية خاصة يحرصون عليها في يوم وقفة عرفات وهي (زفة العيد) حيث تخرج هذه الزفة الى الميادين الكبرى والشوارع الرئيسية بالمدن وفي مقدمتها كبار مسئولي هذه المناطق تصحبهم الموسيقى الشعبية الاصيلة, وعشرات بل مئات الاطفال من ابناء الحي لتطوف هذه الزفة جنبات المنطقة (لتزف) الى اهلها مقدم العيد. كما يشارك في هذه المسيرات الاحتفالية عدد من ابناء القبائل المختلفة في السودان بتقديم فنونها التراثية المميزة ابتهاجا بحلول العيد. إلا ان سليمان رئيس الجناح السوداني بالقرية العالمية اشار الى ان هذه العادة الفلكلورية شديدة الخصوصية قد بدأت في التواري خلف حوائط المد الحضري الحديث شأنها في ذلك شأن العديد من تقاليد الشعوب التي اخذت في الانقراض نتيجة للتغيير الكبير الذي اصاب وجه الحياة العامة للشعوب والذي ادى الى تحول بعض العادات الفلكلورية الى موروث ثقافي نادر التكرار ولكنه اكد على حرص الشعب السوداني على الحفاظ على تقاليده الموروثة حتى ولو على اضيق نطاق ممكن.
العيد هو الطفل وفي السودان شأن الحال في معظم انحاء العالم العربي ان لم يكن شأن العالم اجمع عربيا كان او اعجميا فيرى السودانيون ان الفرحة الحقيقية للعيد مكانها هو عيون الاطفال. ويقول سليمان: ان العيد لدينا هو الطفل فأول مراسم الاعداد لاستقبال العيد في السودان يكون بالاستعداد بشراء وتجهيز الملابس الجديدة للاطفال اساس فرحة العيد وبهجته, ويروي سليمان ان وقائع احتفالية العيد تبدأ من ليلة وقفة عرفات بإنهماك ربات البيوت وبناتهن في تنظيف المنزل واعداد المفروشات في اسلوب يغلب عليه الطابع الاحتفالي لأنه نشاط روتيني قد يكون هو النشاط اليومي لكل الاسر إلا ان ذلك النشاط يكون له عبق آخر وكأنه الاستعداد من قبل كل اسرة بجعل المنزل في أبهى صورة وكأنه قد ارتدى حلته الجديدة لاستقبال هذا الزائر العزيز الذي لا يتردد على المنزل إلا مرة واحدة في العام هو عيد الاضحى المبارك. ويضيف سليمان ان اعداد المنزل وترتيب جنباته يكون احد مصادر بهجة العيد حيث يحرص الاطفال ايضا على معاونة امهاتهم واخواتهم في هذه العملية في جو عام من المرح والسعادة الذي يخيم على الاسرة في ذلك اليوم الكريم الذي تسهم فيه الاسر السودانية حتى الصباح في عمل دؤوب ومستمر لإخراج المنزل في أبهى مظاهره, وبعد انتهاء العمل واكتمال الترتيب والتنظيم تقوم ربة الاسرة بإطلاق البخور في اركان المنزل مستخدمة نوعا خاصا من البخور يدعى (التيمان) وهو عبارة عن خليط من اللبان والعود وبعض الاعشاب الاخرى في تقليد تراثي بديع توارثته الاجيال الواحد تلو الآخر حيث تمثل تلك العادة جزءا من الثقافة السودانية القديمة, فهذا البخور يعتقد انه بإطلاقه عبر جنبات المنزل فإنه يحميه من الشرور والحسد ويدرأ عنه الارواح الشريرة واضرارها.
الصلاة في الساحات وفي الصباح المبكر يخرج السودانيون كما يخرج بقية المسلمين حول ارجاء البسيطة لاداء صلاة العيد في ملابسهم البيضاء المميزة في تجمع ديني وروحاني بديع. ويقول سليمان: يحرص السودانيون على حفظ سنن الاولين وعادات المسلمين الاوائل من تأدية صلاة العيد في الخلاء وفي الساحات المكشوفة في كل من المدن والقرى على حد سواء فلا يختلف الامر في الحضر عنه في المناطق الريفية بهذا الصدد. ويستطرد سليمان في وصفه لمراسم اول ايام عيد الاضحى في السودان ويقول: (عقب الفراغ من اداء صلاة العيد ينطلق الرجال والاطفال الى منطقة سكنهم حيث يقومون بالمرور على بيوت الحي لتقديم واجب تهنئة العيد في عجالة لأهل هذه البيوت من الاقارب والجيران وهم في طريقهم الى منازلهم لاداء الاضحية والذبح. ولدى السودانيين عادة تدلل على مدى الحب والتمسك بعرى الصداقة والمودة مع الجيران والاقارب فلا يلقى الرجل تحية العيد على أهل بيته من زوجة وابناء في صباح أول ايام العيد وقبل خروجه من الصلاة ولكن تحيتهم تأتي بعد ان يعود الرجل الى منزله من الصلاة حيث يكون قدم التحية والتهنئة اولا لابناء الحي والجيران تلك العادة التي توضح مدى أصالة وعراقة التقاليد السودانية الضاربة بالجذور
العصيدة قبل الذبح ومن عادة السودانيين ايضا صبيحة عيد الاضحى المبارك في اول ايامه ان يتناولوا (العصيدة) عقب عودتهم من الصلاة وذلك لتأخر الافطار حيث ينهمك الجميع في مراسم الذبح والتضحية ويصف سليمان رئيس الجناح السوداني بالقرية العالمية بدبي مكونات هذه (العصيدة) ويقول تتكون العصيدة من خليط من الدقيق مع الماء يضاف اليه البامية المجففة والمطحونة المضاف اليها اللحم المفروم حيث يطلق على هذا الخليط السوداني الخالص قبل اضافته الى الدقيق والماء اسم (الويكة) ويكون تناول العصيدة مثل (التبصيره) حتى يتم الانتهاء من الذبح ويشرع الجميع في تناول طعام الافطار. ويجتمع شمل الاسرة والعائلة دائما في السودان في اول أيام عيد الاضحى في (البيت الكبير) بدءا من مراسم الاضحية ولكن يجب على كل اسرة من اسر العائلة ان تقوم هي الاخرى بالتضحية كل على حدة على امتداد ايام العيد. ودائما يكون العيد فرصة للتصالح وانهاء الخلافات بين الناس في السودان حيث يعمل الجميع على اصطحاب الصغير للكبير ممن نشب بينهم خلاف او توتر في العلاقة لإنهائه وعادة لا يرفض احد مطلقا التسامح والتصالح في العيد. كما يحرص ابناء العشيرة الواحدة المجتمعين في منطقة واحدة نزحوا اليها من منطقة اخرى بالسودان على التجمع في ايام العيد في منزل اكبرهم سنا ومقاما وذلك حرصا على التواصل والمودة وتوطيد العلاقات.
المرارة والتمر للعيد وعن العادات السودانية المميزة للاحتفال بعيد الاضحى يقول: جرت العادة ان يقسم لحم الاضحية الى ثلاثة اقسام القسم الاول هو الشواء والثاني المطبوخ ويسمى (كباب الحلة) والثالث (المرارة) . والمرارة أكلة سودانية خالصة يتناولها السودانيون في صباح اول ايام العيد في الافطار وعقب الذبح مباشرة حيث تأخد احشاء الماعز او الخراف من الكبد والرئة والطحال والكلى وتتبل جيدا بعد ان تنظف تنظيفا شديدا ثم تأكل نيئة دون طهي ولكنها اذا طهيت فإنها تسمى (كمونية) ويكون اللحم بالتأكيد هو الطبق الرئيسي على موائد العيد طوال أيامه. اما الغذاء فيكون عند اكبر سكان المنطقة سنا ومقاما حيث تتوجه اليه معظم الاسر لتناول وجبة الغذاء في منزله بعد ان يكونوا قد اكملوا جولة التهاني على بيوت الحي والجيران والاقارب. كما تتميز المائدة السودانية في العيد بأكلات خاصة بالسودان مثل (المفروك) وهي عبارة عن خضار طازج اي كان نوعه يفرك ويضاف الى الشوربة او الصلصة بعد نضوجها حيث يبقى الخضار طازجا فيه ليحتفظ بقيمته الغذائية الكاملة. ويقدم المفروك مع خبز خاص يشبه (الثريد) الخيجي ويسمى (الكسرة) وتعد هذه الاكلة من الاكلات الرئيسية في وجبة الغذاء بالعيد. اما التمر فيلعب دورا هاما على مائدة العيد ايضا في السودان حيث يقدم كالحلوى الرئيسية للعيد في اشكال متعددة سواء المجفف او الرطب او العجوي وايضا (مديدة البلح) وهي من التمور المطبوخة.